بشير صقر
sakrbash@yahoo.com
الحوار المتمدن - العدد: 2849 - 2009 / 12 / 5
لماذا شاركنا فى الكتابة؟
وقد دعانا هذا إلى المساهمة فى الكتابة بمناقشة الأحداث المتفجرة وبلفت النظرلأبعاد المأساة التى تلوح فى الأفق، كما سعيْنا لأن تكون مبسطة المعنى والكلمات حتى لا يعزف عنها قراء صفحات الرياضة والحوادث وأخبارالمجتمع ، كذلك أكدنا على كل ما حذر منه كثير من الكتاب العقلاء والمثقفين فى الجانبين।
من ناحية أخرى كان تركيزنا – فى المناقشة عموما – على الجانب المصرى أكثر من الجانب الجزائرى لسببين:
· أنه كان الأجدر والأقدر على لجم المهيجين ودعاة التصعيد فى مصر، وعلى اتخاذ الاحتياطات التى تكبح أية إجراءات تصعيدية من الجانب الجزائرى بدلا من ترك الأمور فى أيدى مجموعة من الموظفين والفاسدين والجهلة وكذابى الزفة و أهمها اختيار مكان المباراة الفاصلة।
· علاوة على أن المعلومات المتوافرة لدينا أغلبها مصرى.
تمهيد وإضافة:
بالعودة إلى الأحداث من بدايتها وتتبعنا لواقعة الاعتداء على سيارة البعثة الجزائرية يوم 12نوفمبر فور وصولها القاهرة॥ ومغادرتها المطار.. نضيف الملاحظات التالية.. لما سبق أن رصدناه بشأنها:
· أن سيارة تقل مندوبا من الفيفا ومصورين لقناة فضائية فرنسية كانت تسير خلف سيارة البعثة الجزائرية أو تتعقبها بمعنى أدق।
· أن عملية الاعتداء ثم تصويرها.. ومشاهدتها لحظة بلحظة.. وقد أسفرت عن إصابة 3 لاعبين إصابات سطحية.
· أن انفعال وزير الشباب الجزائري –رئيس البعثة وهو أحد ركاب سيارة اللاعبين- على السائق المصري كان بسبب تباطئه في السير رغم إلحاح اللاعبين عليه بالإسراع لتفادى قذف الحجارة عليهم.. مما أشعر الجميع بتواطئه مع الاعتداء عليهم ..على غير ما أفاد السائق في حديثة لبرنامج الفضائيات الثلاث (دريم- الحياة- مودرن سبورت) بعد وقوع الحادث.
· أن استدعاء الجانب الجزائري لبقية أعضاء الفيفا –المتواجدين مصر آنذاك لمتابعة التحضير للمبارة- تم على وجه السرعة.. والاستجابة لذلك كانت أسرع.
· أن نفي الجانب المصري لعملية الاعتداء على سيارة اللاعبين الجزائريين.. وتكذيبه للجانب الجزائري.. كان تكذيبا- فى الوقت نفسه- لمندوب الفيفا الذي كان شاهد عيان على الواقعة، كما كان تكذيبا للقناة الفضائية الفرنسية التي تملك الدليل القاطع الموثق.
· أن عملية التحقيق التي أجرتها النيابة العامة للإعتداء قد اندرجت في خانة النفي المصري لها.. بل ولقيت نفس المصير وهو ما كان يجب عدم توريط النيابة فيه.. حرصا على سمعتها.
· أن إبلاغ رئيس إتحاد الكرة الجزائري لقناة الجزيرة الفضائية بالواقعة.. ونشر صور الاعتداء في كثير من الفضائيات الأجنبية قد أساء لسمعة اتحاد الكرة والمجلس القومى للرياضة في مصر ولمصداقيتهما ولسمعة مصر، وكان بمثابة هدية مهدت الأرض لتصديق العالم للجانب الجزائري في جملة الأحداث التي وقعت بعد ذلك أو على الأقل لترجيح وجهة نظره.. على عكس ما استقبل العالم به استغاثات الجانب المصرى في أعقاب إنتهاء المبارة الفاصلة، وهذا ما عرّض عددا من لاعبي مصر المحترفين في الخارج للوم والإدانة وعدم تصديق مايروونه عن أحداث أم درمان.
· أن ضيق أفق المسئولين المصريين ذوي الصلة بالموضوع قد منعهم من الاعتراف بصحة العدوان على لاعبي الجزائر يوم 12 نوفمبر وتطييب خاطهم والاعتذار لهم.. إنتظارا لما سيسفر عنه قرار الفيفا- ونسوا أن مندوب الفيفا شاهد الواقعة، ومما زاد الطين بلة هو ما تم نشره بعد المبارة الثانية كاعتراف ضمني بصحة الاعتداء.. ثم كاعتراف صريح ..لكن بعد قرار الفيفا بإدانة اتحاد الكرة المصري.
· كتب فهمى هويدي (في جريدة الشروق المصرية 17/11) أن مصطفى الفقي عضو مجلس الشعب ذكر في اجتماع لجان الشباب والشئون العربية والأمن القومي بالمجلس ( أن من المحتمل أن يكون الذي ألقى الطوبة على سيارة لاعبي الجزائر.. شخص جزائري).
المغيبون:
· وإذا كان العالم كله- ومن ضمنه المسئولون المصريون- متأكد من صدق القصة الجزائرية بشأن الاعتداء على لاعبي الجزائر عقب مغادرتهم مطار القاهرة متوجهين إلى فندق إقامتهم.. وشاهدها على الفضائيات، فإن الجهة الوحيدة التي لم تعرف ذلك ولا تصدق الرواية الجزائرية بل وترى أنها افتراء- استنادا إلى ما روجته الفضائيات المصرية وإتحاد الكرة- هي الجماهير المصرية، فهي التي بلعت الطعم وصدقت الكذب واستجابت للشحن والتحريض واندفعت في الاحتجاج وطالبت بعد أحداث أم درمان برد الاعتبار، إنها الطرف الوحيد المضحوك عليه والذي ظُلم في هذا الأمر॥ وليس الذنب ذنبه।
لقد تأكد لنا الآن أن ما كتبناه في مقال سابق بتاريخ 22/11 (ونشره موقع الحوار المتمدن يوم 25/11 )عن "السيناريو الأقرب إلى التصديق" .. هوالحقيقة التي أنكرها الإعلام المصري كله واتحاد الكرة والمجلس القومى للرياضة.. وأن هذه السقطة الفاضحة قد لعبت دور المفجر لأعصاب الجانب الجزائري وكانت سببا قانونيا و معنويا في تصديق العالم للروايات الجزائرية وتكذيب الروايات المصرية.. إلى أن تأتي واقعة أخرى تثبت العكس।
· والحقيقة الثابتة في هذا الموضوع هي أن فضيلة الاعتراف بالحق غائبة عن المسئولين المصريين وعن الإعلام المصري، وأن استمراء الكذب عموما و على الشعب خصوصا بات خصلة متأصلة في سلوكهم اليومي المعتاد، وقد انعكس هذه المرة على سمعة مصر التي لوثها المسئولون عن الإعلام والرياضة وكرة القدم، وهو ما مرغ كرامة مصر في الوحل بأكثر كثيرا مما حدث للجماهير المصرية في السودان।
فصــــول الأزمــــــة
الفصل الأول:
- ذكر لى ابنى (15 سنة) أنه سمع بأذنه أثناء مبارة القاهرة هتاف الجماهير الجزائرية للاعبيها " ون- تو- ثري/ فيفا الجيري" وردت الجماهير المصرية عليها بنفس الهتاف بعد تحويره إلى شتائم بذيئة " ون- تو- ثري / ؟؟؟؟ الجيري".. ولم تكن شائعة الجثث الجزائرية في القاهرة قد انطلقت بعد، لكن الجماهير المصرية وفور انتهاء المبارة.. قامت بالاعتداء على سيارة اللاعبين مرة أخرى، وتعرضت سيارة جزائرية ديبلوماسية لاعتداء آخر أصاب جزائرييْن أحدهما ملحقهم العسكري فى مصر.. كما تعرض جزائريون آخرون مقيمون بالقاهرة لتحرشات من المصريين. لكن الأهم.. والأكثر غرابة هو ما حدث أمام مقهى وادي النيل بميدان التحرير بعد ساعات من انتهاء المبارة حيث قام الجمهور المصري بحرق العلم الجزائري.. بل وذكر بعضهم أنهم سيتوجهون للسفارة الجزائرية بحي الزمالك.
- كل ذلك حدث في القاهرة في أعقاب فوز الفريق المصري وقبل سريان شائعة التوابيت التي تضم جثثا لجزائريين.. واستنادا إلى شحن الفضائيات والصحافة المصرية وتكذيب واقعة الاعتداء على أوتوبيس البعثة الجزائرية قبل المباراة.
الفصل الثاني:
- وقد بدأ رد الفعل الجزائري- للهزيمة والاعتداء على اللاعبين قبل المبارة وبعدها والاعتداء على الملحق العسكري الجزائري.. والتحرش بالجزائريين المقيمين بمصر وحرق العلم الجزائري في ميدان التحرير- بقصة التوابيت والجثث الجزائرية.. وتكهرب الجو.. وتتابعت الأحداث.. ولم يكن في مقدور الجانب الجزائري إلا الانتظار لموقعة أم درمان الفاصلة.. فخططوا لها جيدا وأداروها بحرفية شديدة استثمارا لحالة الفوضي التي يتوقعونها من الجانب المصري الذي بدأ في التحضير لمراسم الاحتفالات بالتأهل للمونديال منذ مساء 14 نوفمبر.
لم يحدث ما حدث في القاهرة والجزائر والسودان من فراغ.. ولا عفو الخاطر ولا دون تخطيط.. لكن " الرياضة.. ومنها كرة القدم ".. لابد فيها من غالب ومغلوب.. فهناك من يخطط وينجح.. ومن يخطط ويفشل.
الفصل الثالث:
وسيكون موضوعه " أسرى " الجانبين فى كل من الجزائر والقاهرة من الرعايا والمؤسسات الاقتصادية وغيرها.. وهو ما يستدعي عدم التسرع.. والانتظار حتى تتكشف نتائج الإتصالات الجارية وبالونات الاختبار التي يطلقها كل جانب في اتجاه الآخر.
1- بعد المبارة الأولى (14/11/2009):
وضح لكل المراقبين أن أزمة مصرية جزائرية قد تشكلت ملامحها.. وفي الطريق للتصاعد بعنف.. حيث تتوالى أحداثها وتتوالد من القاهرة والجزائر ساعة بعد الأخرى.
وهكذا تلبدت السماء بالغيوم التي كانت تزداد اسودادا كلما مر الوقت، ورغم أن عمليات التدمير والنهب التي اجتاحت تلك المؤسسات المصرية كانت جزءا من المشكلة الرئيسية.. إلا أن كل المؤشرات تؤكد أنها ستصبح في الأيام التالية مشكلة مستقلة ثقيلة العبء والوزن.. قد تتجاوز في تداعياتها المشكلة الأصلية.
كيف تعاملت السلطات المصرية مع الأزمة المتصاعدة من الناحية السياسية والأمنية والجماهيرية؟
لم يتم من خلال جهة واحدة مسئولة تجمع خيوط العملية في يدها وتتحمل عبء عملية الإعاشة والحراسة والمواصلات وغيرها، بل تم ذلك من عدة جهات بالطريقة التي تراها كل منها.. كما لو أنها تعد لرحلة ترفيهية. وهو ما يعني أن هناك تجاهلا أو إهمالا لجملة ما ورد من أنباء وتحذيرات من السودان ومن السفارة المصرية والمصريين المقيمين هناك.
- ولتوضيح كيف تم الحشد.. نجد أن تجمع الجمهور تحدد له ميدان التحرير الساعة الثالثة من فجر الأربعاء 18/11 ولم يبدأ التحرك إلا في السابعة صباحا إلى مطار القاهرة، إلى أن تمت مغادرة الأجواء المصرية في الثانية عشرظهرا والوصول للخرطوم في الثالثة عصرا، وملعب المبارة في الخامسة مساء.
- ولا يعفي القائمين على أمر هذه الجماهير من المسئولية تصورهم بأن هزيمة الفريق المصري كفيلة بوقف أية تحرشات لاحقة.
توارد الجمهور الجزائري على ملعب المبارة منذ الصباح بينما كان توافد الجماهير المصرية المرهقة بدءا من الساعة الثالثة عصرا وقد تخلفت أعداد منه عن مشاهدة المباراة رغم حصولها على التذاكرِ.. وتسببَ تدافع الجماهير الجزائرية بكثافة وقوة في إنهيار أحد أبواب مما دفع الكثير من الجزائريين للدخول واحتلال مساحات أكبر مما كان مخصصا لها في المدرجات، علاوة على أنها كانت مستريحة نظرا لتواجدها في أم درمان قبل موعد المباراة بفترة كافية ..وقد وضح ذلك جليا قبل بدء المبارة بساعة على الأقل.. لقد كانت الجماهير الجزائرية –شكلا وموضوعا وتعدادا- داعمة لفريقها بشكل قوي.
6- عودة الجماهير المصرية:
مثلما كانت خطة الجزائريين في دعم فريقها في التدريبات وأثناء المباراة متفوقة في كل شئ على تلقائية الجانب المصري.. وعملت على الحط من الروح المعنوية لللاعبين المصريين بكل الأساليب المشروعة وغير المشروعة... كانت أيضا متجاوزة لخطة التأمين السودانية للجماهير المصرية. لقد بقيت أعداد منها لم تدخل الملعب.. وأحاطت باستاد المبارة وفي الشوارع المتفرعة من طريق المطار لتقوم بعد انتهاء المبارة بعملية ترويع مدروسة للجماهير المصرية قوامها الشتائم والسباب والإهانة، والمطاردة والتهديد، والضرب بحرفية لا تؤدي للقتل إن كانت هناك مقاومة أو إذا أتيحت لها الفرصة.. هذا في حالة انتهاء المبارة بفوز الجزائر، أما لو فازت مصر فستكون هناك مذبحة حقيقية للجماهير المصرية.. وربما تطول اللاعبين أيضا.
لقد تم حرق الأعلام المصرية ووضعها تحت الأقدام.. ومطاردة كل من يحمل علما مصريا حتى ولو كان سودانيا، وكانت عملية الترويع كفيلة ببعثرة أعداد كبيرة من المصريين وانتشار الفوضى بسبب غياب الأوتوبيسات المخصصة لنقلهم والتي تم تكسيرها.. فتصرّف كل منهم بطريقته دون وجود مسئولين يقودونهم إلى المطار، وقد قضت أعداد منهم الليلة إما مختبئة في مطعم أو مؤسسة أو منزل أو حول السفارة المصرية أو في ساحة المطار أو داخل طائرة رابضة على الأرض لساعات.
كما قضت السلطات المصرية ممثلة في وزير الإعلام وبرنامج دائرة الضوء الليل بطوله في تلقي استغاثات المصريين وتجميعهم وإيصالهم للمطار بواسطة الأمن السواداني.
مربط الفرس .. والأهداف البعيدة
الإعلام المصري.. واستئناف الشحن الجماهيري
ملاحظة لابد منها:
لم يختلف دور الاعلام الجزائري عن الإعلام المصري في صب الزيت على النار إلا في التفاصيل، وقد اقترفا معا من الجرائم ما يكفي ليلوث التاريخ الإعلامي للبلدين لسنوات طويلة قادمة، ويكفي ما ردده البعض من أن عدونا التاريخي لو أنفق نصف ميزانيته لإفساد العلاقة بين مصر والجزائرلما نجح كما نجح إعلام البلدين।
ونسجل للإعلام المصري وإتحاد كرة القدم.. السقطة الأولى الخائبة بتكذيب واقعة العدوان على سيارة البعثة الجزائرية يوم 12/11/2009 ।
كما نسجل للإعلام الجزائري وسفارة الجزائر بمصر.. السقطة الثانية " البارعة " بنشر شائعة وهمية في صفوف الشعب الجزائري عن قتلى جزائريين في القاهرة ونسجل لهما معا كيف أضرما حريقا ربما تتجاوز أبعاده كل التصورات.
- بعد أن اتضح لنا كيف فشلت الإدارة السياسية والأمنية في مصر في التعامل مع الأزمة قبل المبارة الفاصلة وبعدها॥ وأسفرت عن القضاء على الدعم والتشجيع الجماهيري للفريق المصري وهما منبع الروح المعنوية في الرياضة، وحولت آلاف المصريين إلى وقود – أو موضوع- لعملية ترويع مدروسة من الجانب الجزائري، وهدف لإهدار كرامة النظام المصري॥ أو لإهانته.. قبل أن تكون إهانة لمواطنين حسني النية، وتسبب ذلك في مشكلات حقيقية مع السودان وربما مع الفيفا.. مهما كانت المظاهر توحي بغير ذلك।
بعد هذا.... نأتي إلى مربط الفرس.. الإعلام المصري.. الذي يعاني من أزمات بالجملة سياسية وفنية عمقتها هذه الأزمة.. حيث أنه لا يتبنى استراتيجية محددة.. بل يحركه منطق رد الفعل التلقائي.. ويديدره مسئول لا علاقة له بالإعلام.. هو أقرب لوزير للإعلان.. ينفذ التعليمات، ويتصرف مع العالم بنفس العقلية التى يتصرف بها مع الجمهور المصرى، لا يدرك خطورة الجهاز الذى يشكل الرأى العام ويوجه الشعب، ولا يعرف كيف يوظف قطاعه المقروء فى تجاوز أزمة هو صانعها.. بنفس القدر الذى لا يتحكم به فى قطاعه المرئى .. ويدفعنا إلى صدام لا نعرف مداه.
لقد ساهم الإعلام المصرى والبرامج التليفزيونية بعد مباراة القاهرة فى الزفة التى جرت واعتبرت أن الفريق المصرى قد تأهل ॥ وأن مباراة أم درمان تحصيل حاصل ॥ وهو ما يشير إلى افتقاده المسئولية والخبرة الرياضية .. وإلى مشاركته الفعلية فى الإدارة الفاشلة للأزمة।
بعدها تم استدعاء السفير المصرى فى الجزائر للتشاور ولم يرجع حتى الآن।
واستأنف الإعلام المصرى شحنا جديدا للجماهير فى البلدين افتتحه نجل الرئيس المصرى الأكبرمساء 19 نوفمبر فى برنامجى " الرياضة اليوم والبيت بيتك " على قناتى دريم والفضائية المصرية .. لإعفاء الرئيس من المهمة وتجنيب شقيقه مزيدا من الأعباء والمآخذ، ولاستخدام الحديث كبالونة اختبار يقيس بها رد الفعل الجزائرى من ناحية.. وجس نبض الجماهير المصرية بشأن صب غضبها مما حدث فى حصالة النظام الحاكم من ناحية أخرى .
وقد أثار الحديث ردود فعل واسعة ومتنوعة॥ لكن أهميته تتمثل فى مقتطفات ثلاث:
1- ( محدش يقوللى لا جزاير ولا عروبة.. دى مصطلحات لا بتودى ولا بتجيب।) وهذا ليس مجرد رأيه الشخصى॥ بل هو شعار النظام االحاكم الذى يطبقه منذ تولى والده الحكم.
2- ( لن أقبل أى اعتذار حتى ولو كان من الرئيس الجزائرى نفسه) ॥ وهو هنا يكاد يتكلم باسم رئيس الجمهورية وإن كان فى حقيقة الأمر يتمنى هذا الاعتذار ويطلبه اليوم قبل الغد।
3- (بوتفليقة رئيس عصابة) والعبارة تفسرلنا لماذا نشرت الصحيفة سالفة الذكر ( فى 25 /11 ) عبارة مشابهة ، كما أنها تبدو وقد أفلتت منه فى غمرة حماسه، لكن الحقيقة أنها تنفيس عما فى صدره بشأن ما شاهده فى مدرجات ستاد أم درمان من إشارات بذيئة وهتافات مضادة .. وإلقاء للحجارة فى اتجاهه دون اعتبار لوجوده ولشقيقه كأبناء لرئيس أكبر دولة عربية.. وهو فى حديثه ذاك قد قال ما لا يستطيع الرسميون آنذاك التصريح به دون أن يتعرض لأى رد فعل من الجانب الجزائرى।
لقد أسهم نجل الرئيس فى مزيد من الشحن الجماهيرى॥ لكنه وللحقيقة شحن فى " حارة سد ".. لماذا ؟ :
· لأن الجماهير الغاضبة فى مصر تريد رد فعل عملى ، والنظام الحاكم لا يقوى على ذلك ..لأن اتحاد الكرة المصرى - حتى الآن - مدان رسميا من هيئة دولية كبرى هى الاتحاد الدولى لكرة القدم (فيفا)، وربما لو عادل الفيفا إدانة الاتحاد المصرى للكرة بإدانة مقابلة لاتحاد الكرة الجزائرى لاختلف الأمر.. ومع أن ذلك احتمال ممكن.. إلا أنه بعيد بالطبع عن نتيجة المباراة الفاصلة।
· ولأن الدعاية الجزائرية أمام العالم حتى الآن لها المصداقية أكثر من الدعاية المصرية।
· ولأن الجزائر لديها من الرعايا المصريين والمؤسسات الاقتصادية المصرية العاملة فى أراضيها أضعاف ما لدى مصر منهما।
· ولأن هناك فى الجزائر من يسعون لإزاحة الاستثمارات المصرية الكبيرة – بالدرجة التى دفعت كثيرا من المراقبين لتفسير الحملة الجزائرية على مصر بالرغبة فى طرد استثماراتها من الجزائر- وهو ما لا تريده مصر.
· ولأن تجميد الوضع الحالى على ما هو عليه هو بمثابة صب الماء البارد على الوضع الساخن للنظام المصرى وللجماهير المصرية॥ وكل منهما لا يرغبه ولا يتمناه।
· وأخيرا لأنه ليس فى تصور النظام المصرى الحاكم أن يستخدم العنف فى حل أزمة فجرتها ولو شكليا مباراة كرة،॥ لأن ذلك سيحيى الجمر النائم تحت الرماد مع عدد من الدول العربية وبعض دول الشرق الأوسط، ويثير القلاقل فى ظل وضع داخلى تكتنفه صعوبات متعددة اقتصادية وسياسية।
· حالة واحدة قد تجبره على تغيير رأيه .. هو أن يكون رد فعل النظام الجزائرى متصلبا ومستفزا وساعتها قد نجد أنفسنا أمام صدام محدود ومحسوب।
· وفى النهاية نسأل : مالذى جرّته مباراة كرة على فقراء هذا الوطن بل وعلى مستثمريه وما الذى سيعود عليهم إن تأهل الفريق المصرى لنهائيات كأس العالم للكرة ؟ وما الذى سيخسرونه إن لم يتأهل؟ وسواء اعتذر النظام الجزائرى.. أوانتظر.. أو لم يعتذر.. سيعود فقراء مصر إلى طوابير الخبزكما كان الحال قبل المباراة ، وسيلعن مستثمروه اليوم الذى تحكم فى مستقبلهم حفنة من لاعبي كرة سابقين وعدة موظفين و صحفيين كاملى الجهل فاقدى الثقافة والبصيرة.
ما جدّ على الوضع الذى كان قائما قبل مباراة القاهرة هوالتفاف جماهيرى حول شعارات متعصبة ضيقة الأفق تفتح أبواب الفتنة على مصاريعها.. لم يستفد منها سوى من أشعلوها ومن حرضوهم عليها.
0 التعليقات