تعرب المنظمة المصرية لحقوق الإنسان عن قلقها البالغ إزاء اتجاه الحكومة لفرض المزيد من الأعباء الإضافية على الغالبية العظمى من المواطنين ، وذلك من خلال قانون الضريبة العقارية رقم 196 لسنة 2008 ولائحته التنفيذية رقم 493 لسنة 2009 ، إذ سيضيف القانون المزيد من الأعباء المادية على الطبقات الفقيرة لاسيما وأنه من المتحمل أن تقفز قيمة الإيجارات لـ 12 ضعفا خلال المرحلة الأولى من تنفيذ القانون ، وتتوقع وزارة المالية أن تصل حصيلة الضرائب العقارية بعد إقرار القانون إلى حوالي 9 مليارات جنيه، بينما الآن لا تتعدى 450 مليون جنيه، ويتوقع أن يتم سد هذا الفارق عن طريق جيوب الطبقة المتوسطة من مالكي الوحدات العقارية، مما يشكل انتهاك للمواثيق الدولية المعنية بحقوق الإنسان ولاسيما للحق في السكن ، ويمكن بيان ذلك على النحو التالي:
-المادة 25 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان :
( 1 ) لكل شخص الحق في مستوى من المعيشة كاف للمحافظة على الصحة والرفاهية له ولأسرته، ويتضمن ذلك التغذية والملبس والمسكن والعناية الطبية وكذلك الخدمات الاجتماعية اللازمة।
-المادة 11 من العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية :
1- تقر الدول الأطراف في هذا العهد بحق كل شخص في مستوى معيشي كاف له ولأسرته، يوفر ما يفي بحاجتهم من الغذاء والكساء والمأوى، وبحقه في تحسين متواصل لظروفه المعيشية. وتتعهد الدول الأطراف باتخاذ التدابير اللازمة لإنفاذ هذا الحق، معترفة في هذا الصدد بالأهمية الأساسية للتعاون الدولي القائم على الارتضاء الحر.
- التعليق رقم 4 الصادر في 12 ديسمبر 1991 للجنة الأمم المتحدة للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية:
أشارت لجنة الأمم المتحدة للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في تعليقها رقم 4 الصادر في 12 ديسمبر 1991 إلىأن "التمتع الكاملسائرالحقوق - مثل الحق في حرية التعبير والحق في حرية تكوين الجمعيات ، وحق الشخص في أن يختار بحرية محل إقامته وحق المشاركة في اتخاذ القرارات العامة - هو أمر لاغنى عنه إذا ما أريد إعمالا لحق في السكن الملائم والمحافظة عليه لصالح جميع الفئات في المجتمع. وبالمثل ، فانحق الفرد في ألا يخضع لأي تدخل تعسفيأ وغير مشروع في خصوصياته أو خصوصيات أسرته أومنزله أو مراسلاته يشكل بعدا بالغ الأهمية في تعريف الحق في السكن الملائم " 0وقد حددت اللجنة بعض جوانب الحق في السكن التي يجب أن تؤخذ في الاعتبار وتشمل الآتي :
- عدم التمييز في التمتع بالحق في السكن
إن مبدأ عدم التمييز في التمتع بالحقوق والحريات هو مبدأ أساسي تؤكد عليهكل اتفاقيات حقوق الإنسان. لذا لا يجوز بأي حال من الأحوال التمييز بين المواطنين على أي أساس كان للانتفاع، مما هو متوفر من حقوق ومزايا خاصة بالسكن، كما لا يجوز التمييز في الانتفاع من أي حماية يوفرها القانون على أساس الجنس أو الدين أو اللونأو الأصل الاجتماعي.
- الضمان القانوني للاستمرار في شغل المسكن
يجب توفير الحماية القانونية للسكان خوفا من الإخلاء أو التهديد بالإخلاء والطرد أومن المضايقات التي قد يتعرضون لها، ويجب توفير إجراءات وقائية لهؤلاء السكان تضمن لهم عدم التعرض لمثل تلك التهديدات أو المخاوف.
- توفير الخدمات الأساسية
يجب أنتزود المنازل بالخدمات والمرافق الأساسية اللازمة للعيش الكريم، والتي تنطوي على المحافظة على الصحة وتوفر الأمن والراحة للساكنين. ومن بين تلك الخدمات على سبيلالمثال لا الحصر، توفير مياه الشرب النقية والنظيفة، توفير الطاقة (ولاسيماالكهربائية) اللازمة للطهي والتدفئة والإضاءة ، فضلاً عن خدمات الصرف الصحي والتخلصمن الفضلات.
- القدرة على تحمل التكاليف
يرتبطالتمتع بالسكن بشكل رئيس بكلفة السكن المادية، فارتفاع التكلفة المادية للسكنوللخدمات المرتبطة به مقارنة بالدخل يؤثر مباشرة على تمتع الأفراد بحقهم في سكنملائم. ومن المعروف أن تكلفة السكن عاليا الثمن نسبيا، لا يستطيع كثير من الأفرادتلبيتها، لذا فإن الدولة يجب عليها العمل المستمر على خفض تكلفة السكن والخدماتالمرتبطة به، من خلال مراقبة الأجور وتقييدها وضبط الأسعار الخاصة بمواد البناءوبالخدمات المختلفة المرتبطة بالمنازل، وتوفير القروض والإعانات المادية الملائمةلمن لا يقدرون على تلبية متطلبات وشروط الإسكان
- صلاحية المنزل للسكن
إن المنزلالملائم هو ذلك المنزل الذي يحمي ساكنيه من كل العوامل والأسباب التي تهدد الصحةالعامة للسكان سواء حرارة الشمس أو البرد أو الرياح ...الخ. إن العديد من الأمراضوأسباب ارتفاع معدلات الوفاة يعود بدرجة كبيرة إلى عدم صلاحية المنازل للسكن وسوءتهويتها وقدرتها على الحماية من أخطار الطبيعة.
- توفير إمكانية الحصول علىالسكن
إن من يحتاج إلى السكن يجب أن تتوفر له الإمكانية للحصول عليه، وغني عنالقول أن من يحتاج إلى السكن هي تلك الفئات التي تعاني من الحرمان والتهميش والفقرفي المجتمع، لذا فمن الأولى توفير السكن لهم، كما أن المرضى والمعاقين والنساءيشكلون قطاعا واسعا يجب توفير تلك الإمكانية لهم. إن الأرض كعنصر أساسي في السكن،يجب أن تتاح فرص الوصول إليها من قبل تلك الفئات، ويجب تبني سياسات تهدف إلى توفيرمثل تلك الإمكانية وتوفر إمكانيات الحصول على السكن الملائم.
- الموقع و ملائمة السكن من الناحيةالثقافية
يجب أن يكون السكن قريبمن أماكن العمل والتعليم والمرافق المختلفة الأخرى، وأن لا يشكل المسكن عائقا في وجهالتمتع بالحقوق والخدمات الأخرى. وكذلك يشكل العامل الثقافي عنصرا على درجة كبيرة من الأهمية لقياس درجة تمتعالأفراد بحقهم في سكن ملائم. فالمنازل التي يجري تصميمها والمواد التي يتماستخدامها والسياسات التي يتم تبنيها، يجب وبالضرورة أن تراعي الهوية والخصوصيةالثقافية للسكان.
ومن ناحية أخرى ، توجدنصوصأخرىبشأنالحقفيالسكنالملائمفيالاتفاقيةالدوليةللقضاءعلىجميعأشكال التمييزالعنصري،واتفاقيةالقضاءعلىجميعأشكالالتمييزضدالمرأة،واتفاقيةحقوقالطفل،والاتفاقية الدوليةلقمعجريمةالفصلالعنصريوالمعاقبةعليها،واتفاقيةالأممالمتحدةبشأنوضعاللاجئين. وجميع هذه النصوص صادقت عليها الحكومة المصرية .
وإذ ترى المنظمة المصرية أن الضريبة العقارية تشكل انتهاكاً للحق في السكن المكفول بمقتضى المواثيق الدولية المعنية بحقوق الإنسان سالفة الذكر ، بل ويمكن للمواطنين التحرك في سبل الانتصاف المحلية وتبعاً للنظام القانوني وذلك وفقاً للجنة المعنية بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية ، وتشمل مجالات التحرك ما يلي :
(أ) الطعون القانونية التي ترمي إلى منع العمليات المخطط لها فيما يتصل بإخلاء المساكن أو هدمها .
(ب) الإجراءات القانونية الرامية إلى دفع التعويضات بعد إخلاء المساكن بصورة غير مشروعة .
(ج) الشكاوى تجاه الإجراءات غير المشروعة التي يقوم بها أو يدعمها أصحاب المساكن (العامة أو الخاصة) بخصوص مستويات الإيجار والصيانة والتمييز العنصري أو غيره من أشكال التمييز.
(د) المزاعم المتعلقة بأي شكل من أشكال التمييز في تخصيص وتوفير المساكن .
(هـ) الشكاوى ضد أصحاب المساكن فيما يتعلق بأحوال السكن غير الصحية أو غير الملائمة .
وإذ تؤكد المنظمة المصرية أن قانون الضريبة العقارية يعتبر معاد لمصالح القطاع الأعظم من الطبقات الوسطى والفقيرة، ولاسيما في ضوء المعطيات التالية :
- أن مصر دون مستوى الحد الأدنى للأجور ، ولا تتحقق فيها بأي شكل من الأشكال المعايير الدولية المعنية بوضع الحد الأدنى للأجور ، إذ ذكر دليل السياسة الاجتماعية الذي صدر عن الأمم المتحدة في شهر يناير 2009 أن الحد الأدنى للأجور في الحكومة والقطاع الخاص والبالغ 142 جنيهاً ، أقل من خط الفقر الأدنى في مصر، والذي يبلغ 150 جنيهاً في الشهر.وووفقاً للدليل احتلت مصر الترتيب الخامس على مستوى منطقة الشرق الأوسط، فيما جاء ترتيبها العالمي في المركز 62 ضمن 112 دولة شملها البحث .
- تشير البيانات الصادرة عن البنك الدولي إلى أن الحدّ الأدنى للأجور في مصر يبلغ 425 دولار سنوياً في مقابل 875دولار للعامل الجزائري و 1675 للمغربي و 1775 دولار في تونس و1850 دولار فيالسنغال!! .مع ملاحظة أنه يزيد من انخفاض الحدّ الأدنى للأجور في مصر تزايد ساعات العمل التي تتراوح بين 54 و58 ساعة أسبوعياً وذلك وفقاً لبيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.
-ارتفاع معدلات البطالة ، فهناك أكثر من 5 ملايين عاطل من خريجي الجامعات والمعاهد العليا والمتوسطة، فطبقاً للأرقام الرسمية فإن عدد العاطلين في مصر زاد من 112 ألفاً و535 عاطلاً عام 1950 ليصل إلى ما يزيد عن 5 ملايين عاطل في بداية العام الحالي، أي أن عدد العاطلين زاد بنسبة 4000% خلال الـ 54 عاما الأخيرة فيما لو صحت هذه الأرقام والإحصائيات.فلو كانت الحكومات المتعاقبة جادة بالفعل في التصدي للبطالة لما ارتفعت نسبة العاطلين من 1.2% من جملة قوة العمل عام 1950 لتصل إلى 3.4عام 1970 ثم 7.1% عام 1986 و11.1% عام 1990 و13% في بداية العام الحالي ، ووصول البطالة في مصر إلى هذه النسبة يعني أنها تخطت الحدود الآمنة ، حيث تتفق الدراسات الاقتصادية على أن الحد الآمن لنسبة البطالة في أي مجتمع تتراوح بين 3-4% فقط.
-52% من المصريين يعيشون على أقل من دولارين يوميا وفقاً للتقارير الدولية وأن نحو 23% يعيشون تحت خط الفقر. وأوضح تقرير التنمية البشرية الصادر بعنوان" العقد الاجتماعي في مصر: دور المجتمع المدني " عام 2008 أن هناك ألف قرية مصرية يعيش بها 5 ملايين مواطن تحت "خط الفقر" أي ما يعادل نحو 37% من إجمالي عدد فقراء مصر البالغ مجموعهم 13.6 مليون شخص. وأوضحت هذه الخريطة أن الفقر يتركز في المناطق الريفية خاصة ريف صعيد مصر الذي يمثل 25% من مساحة مصر ويتمركز فيه أكثر من 56% من إجمالي عدد السكان البالغ نحو 77 مليون نسمة بحسب الإحصاءات الرسمية.
- مشكلة الإسكان التي تعاني منها مصر في ظل ارتفاع أسعار حديد التسليح والأسمنت ومختلف مواد البناء الأخرى، إضافة إلى ارتفاع أسعار الأراضي ، وتفاقم مشكلة العشوائيات وارتفاع معدلاتها ، وفشل سياسات الحكومة في توفير المساكن اللازمة للشباب سنوياً.
وفي ضوء ارتفاع معدلات الفقر والبطالة، وتدني الحد الأدنى للأجور، فضلاً عن تفاقم إشكالية الإسكان في مصر، مقابل ارتفاع وتيرة الأسعار اللامتناهي ، نجد أن قانون الضرائب العقارية سيشكل عبء إضافي على المواطن البسيط ، لاسيما في ضوء تدهور وضعية الحقوق الاقتصادية والاجتماعية،!!، وباعتبار أنالسكنالملائمعنصراًجوهرياًمنعناصرضمانالكرامةالإنسانية ، فإن المنظمة المصرية تطلق حملة ضد فرض الضريبة على الحق في السكن ،وذلك بهدف إقناع المشرع المصري بضرورة تعديل قانون الضريبة العقارية ليتفق مع نص المادة 11 من العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية وتعليقات لجنة الأمم المتحدة للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والفقرة ا من المادة 25 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان المصدق عليهما من قبل الحكومة المصرية ، وذلك بإلغاء فرض الضريبة على السكن، وذلك حماية لحق المواطنين في مسكنهم الخاص، والاقتصار بفرض هذه الضريبة على مالكي الوحدات العقارية ذات الطبيعة المختلفة عن السكن ، وعلى مالكي أكثر من وحدة عقارية ، وتدعو المنظمة كافة مؤسسات المجتمع المدني وممثلي النقابات العمالية والأحزاب والمراكز البحثية والمتخصصين للانضمام لهذه الحملة .
وفي ذات الوقت توصي المنظمة المصرية بالآتي :
-قيام الحكومة بالتوقيع والتصديق على البروتوكول الاختياري الخاص بالحقوق الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية الذي وقعت عليه العديد من الدول في شهر سبتمبر 2009 ، وبموجب أحكام البروتوكول يسمح للأفراد التقدم بشكاوى للجنة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية حول الانتهاكات التي يتعرضون لها في هذا الإطار ، ويحق للجنة اتخاذ ما يلزم بشأنها، وهذا البروتوكول يعبر عن التزام الدول من أجل تطوير آليات فعلية لصالح ضحايا انتهاكات الحقوق الاقتصادية و الاجتماعية والثقافية التي تشكل جزءا من منظومة حقوق الإنسان متوازنة في إطار القانون الدولي لحقوق الإنسان.إذ تنص المادة (2) من البروتوكول على "يجوزأن تُقدّم البلاغات من قِبل،أونيابة عن،أفراد أو جماعات من الأفراد يدخلون ضمن ولاية دولة طرف ويدّعون أﻧﻬم ضحايا لانتهاك من جانب تلك الدولة الطرف لأي من الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية المحددة في العهد . وحيثما يقدم بلاغ نيابة عن أفراد أوجماعات أفراد ،يكون ذلك بموافقتهم إلا إذا استطاع صاحب البلاغ أن يبرر تصرفه نيابة عنهم دون الحصول على تلك الموافقة " .
- ضرورة قيام الحكومة بالالتزام بجميع الوسائل المناسبة لضمان إتاحة المسكن المقبول وبثمن معقول لكل فرد ، وإتخاذ سلسلة من التدابير بحيث تعكس سياساتها وتشريعاتها كافة عناصر الحق في السكن ، وحماية المنازل والأحياء السكنية ورفع مستواها لا القيام بتدميرها أو إحداث الضرر بها ، وذلك إعمالاً للمواثيق الدولية المعنية بحقوق الإنسان.
- قيام الحكومة كذلك بمراجعة سياساتها الإسكانية عبر تمكين محدودي الدخل والفقراء من التمتع بالحق في سكن ملائم تتوافر فيه الخصوصية والأمان ومعايير المسكن الصحي، وتقديم تعويضات مادية وعينية لضحايا الإخلاء القسري وهدم المنازل وإيجاد بدائل مناسبة للأهالي القاطنين بتلك المنازل، ووضع خطة شاملة لإزالة المناطق العشوائية التي لا يمكن تطويرها، وإمداد المدن الجديدة بالمرافق والخدمات الأساسية
0 التعليقات